الاعتراف بفلسطين يقوضه دعم السياسات الضارة | آراء
في 28 مايو/أيار، أعلنت أيرلندا والنرويج وإسبانيا أنها تعترف رسميًا بفلسطين كدولة. وقد رحب الفلسطينيون بهذه الخطوة وأدانتها الحكومة الإسرائيلية، التي ردت بسحب سفرائها من الدول الثلاث وتجاهل مبعوثيهم.
وفي حين أن الاعتراف بفلسطين كدولة هو في الغالب لفتة رمزية، إلا أنه قد يضيف إلى موجة الضغوط الدبلوماسية غير المسبوقة التي تُمارس حاليًا على إسرائيل بسبب هجومها الوحشي على الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية.
ولكن هناك أيضًا أسباب تدعو إلى التشكك في مدى مساعدة هذه الخطوة للفلسطينيين فعليًا.
وكما قالت الباحثة الفلسطينية الأميركية نورا عريقات بشكل مقنع جادلفاللفتة الأيرلندية والإسبانية والنرويجية المشتركة “قليلة جدًا ومتأخرة جدًا”.
ويأتي هذا الإعلان بعد ما يقرب من ثمانية أشهر من الإبادة الجماعية في غزة في وقت يحتاج فيه الفلسطينيون إلى أكثر من مجرد الرمزية.
عندما شنت روسيا غزوًا واسع النطاق لأوكرانيا في عام 2022، فرض الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة آلاف العقوبات على السياسيين والشركات والبنوك الروسية. وتضمنت العقوبات حظر التكنولوجيا، وقيود السفر، وتجميد الأصول، من بين أمور أخرى.
هناك الكثير الذي يمكن القيام به للتصدي للفظائع التي ترتكبها إسرائيل في غزة والضفة الغربية.
لماذا، على سبيل المثال، لم تضغط النرويج وإسبانيا وجمهورية أيرلندا بقوة من أجل نبذ إسرائيل في الأمم المتحدة؟
لماذا لم تضغط إسبانيا وإيرلندا من أجل فرض حظر على الأسلحة من قبل الاتحاد الأوروبي ضد إسرائيل؟
ولماذا لم يقترحوا أن يفرض الاتحاد الأوروبي مجموعة أوسع من العقوبات الاقتصادية على الشركات والمؤسسات والقادة الإسرائيليين؟
سيكون أي من هذه الإجراءات أكثر تأثيرًا بكثير من إعلانات الدولة الرمزية، التي لم تنتج تاريخيًا العديد من الفوائد الملموسة للفلسطينيين.
علاوة على ذلك، فإن الاعتراف بالدولة الفلسطينية لا يعني أن أيرلندا وإسبانيا والنرويج تنتهج في الواقع سياسات تصب في صالح المصالح الفلسطينية بشكل كامل. وقد ظهر ذلك جلياً في المؤتمر الصحفي المشترك الذي عقده بالأمس وزراء خارجية أيرلندا والنرويج وأسبانيا.
وعلى الرغم من أن الثلاثة أصدروا إدانات قاسية نسبياً للأعمال الإسرائيلية، إلا أنهم رددوا أيضاً ضرورات السياسة الأمريكية التي تقوض الفلسطينيين وتخدم المصالح الإسرائيلية.
على سبيل المثال، سلطوا الضوء على التطبيع السعودي الإسرائيلي، الذي طالما وصفته الولايات المتحدة ــ الحليف الأقوى لإسرائيل ــ بأنه ترتيب يغير قواعد اللعبة ويعود بالنفع على الجميع.
ليس هناك شك في أن صفقة التطبيع المقترحة ستجلب فوائد كبيرة وملموسة للولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية وإسرائيل.
ومع ذلك، يخشى العديد من الفلسطينيين أن تتجاوز مثل هذه الصفقة مصالحهم وتتجاهلها وتزيد من ترسيخ قمعهم.
أظهر استطلاع للرأي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في الضفة الغربية وقطاع غزة ونُشر في سبتمبر 2023، قبل أسابيع فقط من هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر، أن 56 بالمائة من الفلسطينيين يعتقدون أن صفقة التطبيع ستضر بهم. حيث قال 17 بالمائة فقط أن الصفقة ستكون مفيدة.
علاوة على ذلك، اتضح خلال المؤتمر الصحفي أن إسبانيا وإيرلندا والنرويج تقف خلف السلطة الفلسطينية. وصرح وزير الخارجية الأيرلندي مايكل مارتن بأن “الاتحاد الأوروبي يحتاج بشكل عاجل إلى دعم خطة الإصلاح الخاصة بالسلطة الفلسطينية”. كما وصف السلطة الفلسطينية بأنها حكام محتملين “في جميع أنحاء الأراضي الفلسطينية”.
وربما جاء هذا البيان مباشرة من وزارة الخارجية الأمريكية، التي تسعى جاهدة إلى إحياء السلطة الفلسطينية التي فقدت الشرعية والسلطة.
ويُنظر إلى السلطة الفلسطينية، حتى من خلال الدراسات الإسرائيلية، على أنها “مقاول من الباطن ومتعاون” إسرائيلي في الاحتلال غير القانوني للأراضي الفلسطينية.
كمؤسسة، فهي تعمل في الغالب على حماية إسرائيل بينما لا تقدم أي حماية تقريبًا للفلسطينيين الذين يعيشون في ظل نظام فصل عنصري عنيف.
وبالنظر إلى بعض هذه الحقائق الأساسية، فليس من المستغرب أن لا تحظى السلطة الفلسطينية بشعبية كبيرة بين الفلسطينيين.
ووفقاً لاستطلاع للرأي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية نُشر في 13 كانون الأول/ديسمبر، فإن 10% فقط من الفلسطينيين راضون عن السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، حيث تحكم.
وأظهر الاستطلاع نفسه أن 88% من الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة يرغبون في استقالة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، بينما يؤيد 58% الحل الكامل للسلطة الفلسطينية.
ومن المفارقة أن تدعو أيرلندا وأسبانيا والنرويج إلى إقامة دولة فلسطينية وحق تقرير المصير للفلسطينيين، من ناحية، وتقترح أن تحكم الفلسطينيين قيادة سياسية يكرهونها، من ناحية أخرى.
كما دفعت الدول الثلاث إلى حل الدولتين دون معالجة موضوعية وعملية للحواجز التي وضعتها إسرائيل أمامها.
يرفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو علناً فكرة حل الدولتين، وتفاخر بجهوده المستمرة منذ عقود لإحباط إقامة دولة فلسطينية.
وفي العقود الثلاثة التي تلت اتفاقات أوسلو، أنشأت إسرائيل أكثر من 200 مستوطنة غير قانونية على الأراضي الفلسطينية. واليوم، هناك أكثر من 700 ألف مستوطن إسرائيلي غير شرعي يعيشون في الضفة الغربية.
وقد شنت الحكومات الإسرائيلية حملة توسع استيطاني عدوانية على وجه التحديد لأنه يُنظر إليها على أنها وسيلة لمنع إمكانية قيام دولة فلسطينية متواصلة وقابلة للحياة.
لقد سرقت المستوطنات الموارد الأساسية من الفلسطينيين، ومنعت الفلسطينيين من السفر على الطرق المخصصة للإسرائيليين فقط، وأجبرت الفلسطينيين على المرور عبر نقاط التفتيش العسكرية الإسرائيلية للوصول إلى أراضيهم الزراعية والمناطق الحضرية الأخرى والخدمات مثل الرعاية الصحية والتعليم.
وتتمسك إسرائيل باستمرار بمطالبتها بمستوطنات الضفة الغربية، وترفض إمكانية الإخلاء في حالة التوصل إلى اتفاق سلام مع الفلسطينيين.
لقد استمر بناء المستوطنات في الضفة الغربية بقوة خلال الحرب الحالية، وهناك دلائل قوية على أن إسرائيل قد تسعى إلى إعادة بناء المستوطنات في غزة.
ونظراً للاستحالة العملية لحل الدولتين، فمن المحير أن يضغط وزراء خارجية أيرلندا والنرويج وأسبانيا على هذا الحل بنفس الحدة التي فعلوا بها.
أما النهج الأكثر حكمة فهو الدعوة إلى حل الدولة الواحدة أو الانضمام إلى الباحثين وجماعات حقوق الإنسان الرئيسية في مطالبة إسرائيل بتفكيك مستوطنات الضفة الغربية وإنهاء الحرب والحصار على غزة كشروط مسبقة أساسية لعملية سلام جديدة.
وبينما يبدو أن أيرلندا وإسبانيا والنرويج تقود جهدًا دبلوماسيًا لصالح القضية الفلسطينية، فإنها في الواقع تدعم سياسات تضر بها في نهاية المطاف.
وهذا يشير، في أحسن الأحوال، إلى نقص عميق في الوعي بالواقع الإسرائيلي الفلسطيني الأساسي والظروف التي خلقت معاناة الفلسطينيين المستمرة.
وفي أسوأ الأحوال، فإنه يعني ضمناً التستر الدبلوماسي على سياسات “العمل كالمعتاد” الغربية التي تفضل إسرائيل.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء المؤلف ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.